الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **
فاعتدل جالسا بين السجدتين وهذا الاعتدال واجب ويجب الطمأنينة فيه ويجب أن لا يقصد بالرفع شيئا آخر وينبغي أن لا يطول الجلوس ويستحب أن يرفع رأسه مكبرا والسنة أن يجلس مفترشا على المشهور وفي قول شاذ ضعيف يضجع قدميه ويجلس على صدورهما ويستحب أن يضع يديه على فخذيه قريبا من ركبتيه منشورتي الأصابع ولو انعطفت أطرافها على الركبة فلا بأس ولو تركهما على الأرض من جانبي فخذيه كان كإرسالهما في القيام ويستحب أن يقول في جلوسه اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وعافني وارزقني واهدني.
مثل الأولى في واجباتها ومندوباتها وإذا رفع من السجدة الثانية كبر فإن كانت سجدة لا يعقبها تشهد فالمذهب أنه يسن أن يجلس عقبها جلسة لطيفة تسمى جلسة الاستراحة وفي قول لا تسن هذه الجلسة بل يقوم من السجود وقيل إن كان بالمصلي ضعف لكبر أو غيره جلس وإلا فلا فإن قلنا لا يجلس ابتدأ التكبير مع ابتداء الرفع وفرغ منه مع استوائه قائما وإن قلنا يجلس ففي التكبير أوجه أصحها عند جمهور الأصحاب أنه يرفع مكبرا ويمده إلى أن يستوي قائما ويخفف الجلسة حتى لا يخلو جزء من صلاته عن ذكر والثاني يرفع غير مكبر ويبتدىء بالتكبير جالسا ويمده إلى أن يقوم والثالث يرفع مكبرا وإذا جلس قطعه وقام بلا تكبير ولا يجمع بين تكبيرتين بلا خلاف والسنة في هذه الجلسة الافتراش وسواء قام من الجلسة أو من السجدة يسن أن يقوم معتمدا بيديه من الأرض قلت اختلف أصحابنا في جلسة الاستراحة على وجهين الصحيح أنها جلسة مستقلة يفصل بين الركعتين كالتشهد والثاني أنها من الركعة الثانية قال القاضي أبو الطيب وغيره يكره أن يقدم إحدى رجليه حال القيام ويعتمد عليها والله أعلم.
هما ضربان أحدهما أن يقعا في آخر الصلاة وهما فرضان والثاني في أثنائها وهما سنتان ثم لا يتعين للقعود هيئة للاجزاء بل كيف قعد أجزأه لكن السنة في قعود آخر الصلاة التورك وفي أثنائها الافتراش والأفتراش أن يضع رجله اليسرى بحيث يلي ظهرها الأرض ويجلس عليها وينصب اليمنى ويضع أطراف أصابعها على الأرض متوجهة إلى القبلة والتورك أن يخرج رجليه وهما على هيئة الافتراش من جهة يمينه ويمكن وركه من الأرض وإذا جلس المسبوق في آخر صلاة الإمام فثلاثة أوجه الصحيح المنصوص الذي قطع به الجماهير يفترش والثاني يتورك والثالث إن كان جلوسه محل تشهد للمسبوق افترش وإلا تورك لأن جلوسه بمجرد المتابعة فيتابع في الهيئة وإذا جلس من عليه سجود سهو في آخر صلاته افترش على الصحيح وتورك على الثاني والسنة في التشهدين جميعا أن يضع يده اليسرى على فخذه اليسرى واليمنى على فخذه اليمنى وينشر أصابع اليسرى ويجعلها قريبة من طرف الركبة بحيث يساوي رؤوسها الركبة وهل يفرجها أو يضمها وجهان الأشهر يفرج تفريجا مقتصدا ولا يؤمر بالتفريج الفاحش في موضع ما والثاني يضمها ليتوجه إلى القبلة. قلت هذا الثاني أصح وقد نقل الشيخ أبو حامد في تعليقه اتفاق الأصحاب عليه والله أعلم. وأما اليد اليمنى فيضعها على طرف الركبة اليمنى ويقبض خنصرها وبنصرها ويرسل المسبحة وفيما يفعل بالابهام والوسطى ثلاثة أقوال أحدها يقبض الوسطى مع الخنصر والبنصر ويرسل الإبهام مع المسبحة والثاني يحلق بين الإبهام والوسطى وفي كيفية التحليق وجهان أصحهما يحلق بينهما برأسيهما والثاني يضع أنملة الوسطى بين عقدتي الإبهام والقول الثالث وهو الأظهر أنه يقبضهما أيضاً وفي كيفية وضع الابهام على هذا وجهان أصحهما يضعها بجنب المسبحة كأنه عاقد ثلاثة وخمسين والثاني يضعها على أصبعه الوسطى كأنه عاقد ثلاثة وعشرين وكيف فعل من هذه الهيئات فقد أتى بالسنة قاله ابن الصباغ وغيره وعلى الأقوال كلها يستحب أن يرفع مسبحته في كلمة الشهادة إذا بلغ همزة إلا الله وهل يحركها عند الرفع وجهان الأصح لا يحركها ولنا وجه شاذ أنه يشير بها في جميع التشهد. قلت وإذا قلنا بالأصح إنه لا يحركها فحركها لم تبطل صلاته على الصحيح وتكره الاشارة بمسبحة اليسرى حتى لو كان أقطع اليمنى لم يشر بمسبحة اليسرى لأن سنتها البسط دائما والله أعلم. فرع التشهد الذي يعقبه السلام واجب كما سبق وتجب فيه الصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم قولان وقيل وجهان الصحيح المشهور أنها سنة والثاني واجبة وهل تسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول قولان أظهرهما تسن وأما الصلاة على الآل فيه فإن لم نوجبها في التشهد الأخير لم تسن وإلا فعلى القولين في الصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم وإذا قلنا لا تسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الأول ولا في القنوت فأتى بها في أحدهما أو أوجبنا الصلاة على الآل في الأخيرة ولم نسنها في الأول فأتى بها فيه فقد نقل ركنا إلى غير موضعه وفي بطلان الصلاة بذلك كلام يأتي في باب سجود السهو إن شاء الله تعالى وآل النبي صلى الله عليه وسلم بنو هاشم وبنو المطلب نص عليه الشافعي رحمه الله وفي وجه أنهم كل المسلمين. فرع في أكمل التشهد وأقله أما أكمله فما رواه ابن عباس رضي عنهما التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله هكذا رواه الشافعي ورواه غيره السلام عليك أيها النبي السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين بالألف واللام ولو تشهد بما رواه ابن مسعود أو بتشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاز لكن الأول أفضل وتشهد ابن مسعود التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك وذكره كما تقدم إلا أن في آخره وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وتشهد عمر التحيات لله الزاكيات لله الطيبات لله الصلوات لله السلام عليك وذكره كابن مسعود. ولنا وجه أن الأفضل أن يقول التحيات المباركات الزاكيات والصلوات والطيبات لله السلام عليك ذكره ليكون جامعا لها كلها. وقال جماعة من أصحابنا يستحب أن يقول قبل التحيات باسم الله وبالله التحيات لله ويروى بسم الله خير الأسماء والصحيح الذي عليه جماهيرهم أنه لا يقدم التسمية وأما أقله فنص الشافعي رحمه الله وأكثر الأصحاب رحمهم الله أنه التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله هكذا نقله العراقيون والروياني وكذا نقله البغوي إلا أنه قال وأشهد أن محمدا رسوله ونقله ابن كج والصيدلاني وأسقطا كلمة وبركاته وقالا وأشهد أن محمدا رسول الله وقال ابن سريج رحمه الله أقله التحيات لله سلام عليك أيها النبي سلام على عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله وأسقط بعضهم السلام الثاني وقال بعضهم سلام عليك أيها النبي وعلى عباد الله الصالحين وأسقط بعضهم الصالحين واختاره الحليمي قلت وروي سلام عليك و سلام وروي السلام بالألف واللام فيهما وهذا أكثر في روايات الحديث وفي كلام الشافعي واتفق أصحابنا على جواز الأمرين هنا بخلاف سلام التحلل قالوا والأفضل هنا الألف واللام لكثرته وزيادته وموافقته سلام التحلل والله أعلم. فرع أقل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول على محمد أو صلى الله على محمد أو صلى الله على رسوله وفي وجه يكفي صلى الله عليه وأقل الصلاة على الآل أن يقول وآله وأكملها أن يقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ويستحب الدعاء بعد ذلك. وله أن يدعو بما شاء من أمر الدنيا والآخرة وأمور الآخرة أفضل وعن الشيخ أبي محمد أنه كان يتردد في مثل اللهم ارزقني جارية صفتها كذا ويميل إلى المنع وأنه يبطل الصلاة والصواب الذي عليه الجماهير جواز الجميع لكن ما ورد في الأخبار أحب من غيره ومنه اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وفيه أيضاً وما وأيضا اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال وأيضا اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم وأيضا اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ثم الصحيح الذي عليه الجمهور أن الدعاء مستحب للامام وغيره لكن الأفضل أن يكون الدعاء أقل من التشهد والصلاة على النجي صلى الله عليه وسلم لأنه تبع لهما فإن زاد لم يضر إلا أن يكون إماما فيكره التطويل والوجه الثاني المستحب للامام أن لا يدعو ويستحب للمنفرد الدعاء ولا بأس بتطويله هذا كله في التشهد الأخير أما الأول فيكره فيه الدعاء بل لا يزيد على لفظ التشهد إلا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا قلنا هي سنة فيه وعلى الآل على وجه. قلت إطالة التشهد الأول مكروهة كما ذكر فلو طوله لم تبطل صلاته ولم يسجد للسهو سواء طوله عمدا أم سهوا والله أعلم. فرع لا يجوز لمن عرف التشهد بالعربية أن يعدل إلى ترجمته فإن أتى بترجمته والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الآل إذا أوجبناها كالتشهد وأما ما عدا الواجبات من الألفاظ المشروعة في الصلاة إذا عجز عنها بالعربية فقسمان دعاء وغيره فأما الدعاء المأثور ففيه ثلاثة أوجه أصحها تجوز الترجمة عنه لمن لا يحسن العربية ولا يجوز لمن يحسنها فإن ترجم بطلت صلاته والثاني يجوز لمن أحسنها ولغيره والثالث لا يجوز لواحد منهما ولا يجوز أن يخترع دعوة بالعجمية يدعو بها قطعاً. وأما سائر الأذكار كالتشهد الأول والقنوت وتكبيرات الانتقالات والتسبيحات فأوجه أحدها يجوز أن يأتي بترجمتها العاجز والثاني لا يجوز والثالث يترجم لما يجبر بالسجود دون غيره قلت الأصح الجواز للعاجز ومنعه في القادر ثم إذا قام من التشهد الأول قام مكبرا وهل يمده فيه القولان السابقان في فصل الركوع ثم قال جمهور أصحابنا لا يرفع يديه في هذا القيام. ولنا وجه أنه يستحب رفع اليدين فيه كما يستحب في الركوع والرفع منه وحكاه صاحب المهذب وغيره عن أبي بكر بن المنذر وأبي علي الطبري وهذا الوجه هو الصحيح أو الصواب فقد ثبت ذلك في صحيح البخاري وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونص عليه الشافعي رحمه الله وقد أطنبت في إيضاحه في شرح المهذب. واعلم أن في الصلاة الرباعية اثنتين وعشرين تكبيرة وفي الثلاثية سبع عشرة وفي الثنائية إحدى
قد تقدم أنه ركن وأقله السلام عليكم ولو قال سلام علكم بالتنوين أجزأه على الأصح قلت الأصح عند الجمهور لا يجزئه وهو المنصوص والله أعلم. ولو قال عليكم السلام أجزأه على المذهب ولا يجزىء سلام عليك ولا سلامي عليكم ولا سلام الله عليكم ولا سلام عليهم وإن قال شيئا من ذلك متعمدا بطلت صلاته إلا قوله السلام عليهم لأنه دعاء لغائب وهل يجب أن ينوي بسلامه الخروج من الصلاة وجهان أصحهما لا يجب فإن قلنا يجب لم يجب تعيين الصلاة في نية الخروج ولو عين غير ما هو فيه عمدا بطلت صلاته وإن كان سهوا سجد للسهو وسلم ثانيا وإذا قلنا لا تجب نية الخروج لا يضر الخطأ في التعيين. وإذا قلنا يجب فيجب أن ينوي مقترنا بالتسليمة الأولى فإن قدمها على السلام أو سلم بلا نية بطلت صلاته. ولو نوى قبل السلام الخروج عنده لم تبطل صلاته لكن لا يكفيه بل تجب النية مع السلام ويجب على المصلي أن يوقع السلام في حالة القعود أما أكمل السلام فأن يقول السلام عليكم ورحمة الله ويسن تسليمة ثانية على المشهور وفي قول قديم لا يزيد على واحدة وفي قول قديم آخر يسلم غير الإمام واحدة وكذا الإمام إن قل القوم ولا لغط عندهم وإلا فتسليمتين فإذا قلنا يسلم واحدة جعلها تلقاء وجهه. وإن قلنا تسليمتين فإحداهما عن يمينه والأخرى عن يساره ويبتدىء بالسلام مستقبل القبلة ثم يلتفت بحيث ينقضي السلام مع تمام الالتفات ويلتفت حتى يرى من كل جانب خده الواحد على الصحيح وقيل خداه. ويستحب للامام أن ينوي بالتسليمة الأولى السلام على من على يمينه من الملائكة ومسلمي الجن والإنس وبالثانية من على يساره منهم وينوي المأموم مثل ذلك ويختص بشيء آخر وهو أنه إن كان عن يمين الإمام نوى بالتسليمة الثانية الرد على الإمام وإن كان عن يساره ينويه بالأولى وإن كان محاذيا له نواه بأيتهما شاء وبالأولى أفضل ويستحب أن ينوي بعض المأمومين الرد على بعض وأما المنفرد فينوي بهما السلام على من على جانبيه من الملائكة ويستحب لكل منهم أن ينوي بالتسليمة الأولى الخروج من الصلاة إذا لم نوجبها قلت السنة أن يكثر من ذكر الله تعالى عقب الصلاة وقد جاءت في بيان ما يستحب من الذكر أحاديث كثيرة صحيحة. أوضحتها في كتاب الأذكار ويسن الدعاء بعد السلام سرا إلا أن يكون إماما يريد تعليم الحاضرين الدعاء فيجهر. قال أصحابنا ويستحب إذا أراد أن يتنفل عقب الفريضة أن ينتقل إلى بيته فإن لم يكن فإلى موضع آخر ويستحب إذا كان يصلي وراءه نساء أن يمكث في مصلاه حتى ينصرفن وإذا أراد الانصراف فإن كان له حاجة عن يمينه أو عن يساره انصرف إلى جهة حاجته وإن لم يكن حاجة فجهة اليمين أفضل وإذا سلم الإمام التسليمة الأولى فقد انقطعت متابعة المأموم وهو بالخيار إن شاء سلم في الحال وإن شاء استدام الجلوس للتعوذ والدعاء وأطال ذلك ولو اقتصر الإمام على تسليمة استحب للمأموم تسليمتان ويستحب للمصلي الخشوع في صلاته وأن يديم نظره إلى موضع سجوده. قال بعض أصحابنا يكره له تغميض عينيه والمختار أنه لا يكره إن لم يخف ضررا وينبغي أن يدخل فيها بنشاط وفراغ قلبه من الشواغل والله أعلم.
وينبغي أن يقضيها على الفور فإن أخرها ففيه كلام نذكره في الحج إن شاء الله تعالى فإن قضى فائتة الليل بالليل جهر وإن قضى فائتة النهار بالنهار أسر وإن قضى فائتة النهار ليلا أو عكس فالاعتبار بوقت القضاء على الأصح وعلى الثاني بوقت الفوائت. قلت صلاة الصبح وإن كانت نهارية فهي في القضاء جهرية ولوقتها حكم الليل في الجهر وإطلاقهم محمول على هذا والله أعلم. ويستحب في قضاء الصلوات الترتيب ولا يجب في قضائها ولا بين فريضة الوقت والمقضية فإن دخل وقت فريضة وتذكر فائتة فإن اتسع وقت الحاضرة استحب البداءة بالفائتة وإن ضاق وجب تقديم الحاضرة ولو تذكر الفائتة بعد شروعه في الحاضرة أتمها ضاق الوقت أم اتسع ثم يقضي الفائتة ويستحب أن يعيد الحاضرة بعدها. قلت ولو شرع في الفائتة معتقدا أن في الوقت سعة فبان ضيقه وجب قطعها والشروع في الحاضرة على الصحيح وعلى الشاذ يجب إتمام الفائتة ولو تذكر فائتة وهناك جماعة يصلون في الحاضرة والوقت متسع فالأولى أن يصلي الفائتة أولا منفردا لأن الترتيب مختلف في وجوبه والقضاء خلف الأداء مختلف في جوازه فاستحب الخروج من الخلاف ولو فاته صلوات لا يعرف قدرها ويعلم أنها لا تنقص عن عشر صلوات ولا تزيد على عشرين أحدهما يلزمه العشر وأصحهما العشرون واعلم أن الصلاة تشتمل على فرائض وسنن كما سبق ولها شروط سيأتي بيانها في بابها إن شاء الله تعالى. قال صاحب التهذيب شروط الصلاة قبل الشروع فيها خمسة الطهارة عن الحدث والنجس وستر العورة واستقبال القبلة والعلم بدخول الوقت يقينا أو ظنا بالاجتهاد ونحوه. والخامس العلم بفرضية الصلاة ومعرفة أعمالها قال فإن جهل فرضية أصل الصلاة أو علم أن بعض الصلوات فريضة لكن لم يعلم فرضية الصلاة التي شرع فيها لم تصح صلاته وكذا إذا لم يعرف فرضية الوضوء. أما إذا علم فرضية الصلاة ولم يعلم أركانها فله ثلاثة أحوال أحدها أن يعتقد جميع أفعالها سنة والثاني أن يعتقد بعضها فرضا وبعضها سنة ولا يعرف تمييزها فلا تصح صلاته قطعا صرح به القاضي حسين وصاحب التتمة و التهذيب. الثالث أن يعتقد جميع أفعالها فرضا فوجهان حكاهما القاضي حسين وصاحب التهذيب أحدهما لا تصح صلاته لأنه ترك معرفة ذلك وهي واجبة وأصحهما تصح وبه قطع صاحب التتمة لأنه ليس فيه أكثر من أنه أدى سنة باعتقاد الفرض وذلك لا يؤثر قال في التهذيب فإن لم نصحح صلاته ففي صحة وضوئه في هذه الصور وجهان هكذا ذكروا هذه المسائل ولم يفرقوا بين العامي وغيره وقال الغزالي في الفتاوى العامي الذي لا يميز فرائض صلاته من سننها تصح صلاته بشرط أن لا يقصد التنفل بما هو فرض فإن نوى التنفل به لم يعتد به فإذا غفل عن التفصيل فنية الجملة في الابتداء كافية هذا كلام الغزالي وهو الظاهر الذي يقتضيه ظواهر أحوال الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ألزم الأعراب ذلك ولا أمر بإعادة صلاة من لا يعلم هذا والله أعلم.
والمنهي عنه فيها وشروطها ثمانية أحدها استقبال القبلة والثاني العلم بدخول الوقت أو ظنه وقد تقدم ذكرهما في بابيهما الثالث طهارة الحدث وتقدم في كتاب الطهارة بيان حصولها فلو لم يكن متطهرا عند إحرامه لم تنعقد صلاته عامدا كان أو ساهيا وإن أحرم متطهرا ثم أحدث باختياره بطلت صلاته عمدا كان حدثه أو سهوا علم بالصلاة أم نسيها وإن أحدث بغير اختياره بأن سبقه الحدث بطلت طهاراته بلا خلاف وبطلت صلاته أيضاً على المشهور الجديد ولا تبطل على القديم سواء كان الحدث أصغر أو أكبر بل يتطهر ويبني على صلاته فإن كان حدثه في الركوع مثلا فقال الصيدلاني يجب أن يعود إلى الركوع وقال إمام الحرمين إن لم يكن اطمأن وجب العود إلى الركوع وإن كان اطمأن فالظاهر أنه لا يعود إليه ثم إذا ذهب من سبقه الحدث ليتوضأ ويبني لزمه أن يسعى في تقريب الزمان وتقليل الأفعال بحسب الامكان وليس له بعد تطهره أن يعود إلى الموضع الذي كان فيه إن قدر على الصلاة في أقرب منه إلا أن يكون إماما لم يستخلف أو مأموما يقصد فضيلة الجماعة فلهما العود وما لا يستغنى عنه من الذهاب إلى الماء واستقائه ونحوه فلا بأس به ولا يشترط فيه العدو والبدار الخارج عن الاقتصاد. ويشترط أن لا يتكلم إلا إذا احتاج إليه في تحصيل الماء ولو أخرج تمام الحدث الأول متعمدا لم يمنع البناء على المنصوص في القديم وبه قطع الجمهور وقال إمام الحرمين والغزالي يمنع ولو أحدث حدثا آخر ففي منعه البناء وجهان هذا كله تفريع القديم هذا كله في صاحب طهارة الرفاهية أما المستحاضة ومن في معناها فلا يضر حدثها المقارن ولا الحادث على تفصيله السابق. فرع ما سوى الحدث من الأسباب المناقضة للصلاة إذا طرأ فيها أبطلها قطعا إن كان باختياره أو بغير اختياره إذا نسب فيه إلى تقصير كمن مسح خفه فانقضت مدته في الصلاة أو دخل فيها وهو يدافع الحدث ويعلم أنه لا يقدر على التماسك إلى فراغها ولو تخرق خف الماسح فالأصح أنه على قولي سبق الحدث وقيل تبطل قطعاً. أما إذا طرأ مناقض لا باختياره ولا بتقصيرة فإن أزاله في الحال كمن انكشفت عورته فسترها في الحال أو وقعت عليه نجاسة يابسة فنفضها في الحال أو ألقى الثوب الذي وقعت عليه في الحال فصلاته صحيحة وإن نحاها بيده أو كمه بطلت صلاته وإن احتاج في إزالته إلى زمن بأن ينجس ثوبه أو بدنه نجاسة يجب غسلها أو أبعدت الريح ثوبه فعلى قولي سبق الحدث ولو خرج من جرحه دم متدفق ولم يلوث بشرته لم تبطل صلاته الشرط الرابع طهارة النجس النجاسة قسمان واقعة في مظنة العفو وغيرها أما الواقعة في غير مظنة العفو فيجب الاحتراز منها في الثوب والبدن والمكان فإن أصاب ثوبه نجاسة وعرف موضعها فطريق إزالتها الغسل كما سبق فلو قطع موضعها أجزأه ويلزمه ذلك إذا تعذر الغسل وأمكن ستر العورة بالظاهر منه ولم ينقص من قيمته بالقطع أكثر من أجرة الثوب وإن لم يعرف موضع النجاسة من البدن أو الثوب واحتمل وجودها في كل جزء وجب غسل الجميع ولا يجزئه التحري فلو شق الثوب نصفين لم يجزىء التحري فيهما ولو أصاب شيء رطب طرفا من هذا الثوب لم ينجس الرطب لأنا لا نتيقن نجاسة موضع الإصابة ولو غسل إحدى نصفيه في حال اتصاله ثم غسل النصف الآخر فهو كما لو تيقن نجاسة الجميع وغسله هكذا وفيه وجهان أحدهما لا يطهر حتى يغسل النصفين دفعة واحدة وأصحهما أنه إن غسل مع النصف الثاني القدر الذي يجاوره من الأول طهر الكل وإن اقتصر على النصفين فقد طهر الطرفان وبقي المنتصف نجسا في صورة اليقين ومجتنبا في الصورة الأولى ولو نجس أحد موضعين منحصرين أو مواضع وأشكل عليه كأحد كميه فأدى اجتهاده إلى نجاسة أحدهما فغسله وصلى فيه لم تصح صلاته عل الأصح فلو فصل أحد الكمين عن الثوب صارا كالثوبين فإن غسل ما ظنه نجسا وصلى فيه جاز وإن صلى فيما ظنه طاهرا جاز ويجري الوجهان فيما إذا نجست إحدى يديه أو أحد أصابعه وغسل ما ظن نجاسته وصلى وفيما لو اجتهد في ثوبين وغسل النجس وصلى فيهما معا لكن الأصح هنا الجواز بخلاف الكمين لضعف أثر الاجتهاد في الثوب الواحد ولو غسل أحد الكمين بالاجتهاد وفصله عن الثوب فجواز الصلاة فيما لم يغسله على الخلاف ولو غسل أحد الثوبين بالاجتهاد جازت الصلاة في كل واحد منهما وحده بلا خلاف ولو اشتبه ثوبان أو أثواب بعضها طاهر وبعضها نجس اجتهد كما سبق في الأواني فإن لم يظهر له شيء وأمكنه غسل واحد ليصلي فيه لزمه ذلك وإلا فهو كمن لم يجد إلا ثوبا نجسا. ونذكره في الشرط الخامس إن شاء الله تعالى. قلت ولنا وجه أن يصلي الصلاة تلك في كل ثوب مرة والصحيح المعروف أنه يترك الثياب ولو ظن طهارة أحد الثوبين وصلى فيه ثم تغير اجتهاده عمل بمقتضى الاجتهاد الثاني على الأصح كالقبلة. قلت ولا يجب إعادة واحدة من الصلاتين وكذا لو كثرت الثياب والصلوات بالاجتهاد المختلف كما قلنا في القبلة ولو تلف أحد الثوبين المشتبهين قبل الاجتهاد لم يصل في الآخر على الأصح والله أعلم. فرع ما لبسه المصلي يجب أن يكون طاهرا وأن لا يلاقي شيئا تحرك بحركته في قيامه وقعوده أو لم يتحرك بعض أطرافه كذنابة العمامة فلو أصاب طرف العمامة الذي لا يتحرك أرضا نجسة بطلت صلاته ولو قبض طرف حبل أو ثوب أو شده في يده أو رجله أو وسطه وطرفه الآخر نجس أو متصل بالنجاسة فثلاثة أوجه أصحها تبطل صلاته والثاني لا تبطل والثالث إن كان الطرف نجسا أو متصلا بعين النجاسة بأن كان في عنق كلب بطلت وإن كان متصلا بطاهر وذلك الطاهر متصلا بنجاسة بأن شد في ساجور أو خرقة وهما في عنق كلب أو شده في عنق حمار عليه حمل نجس لم تبطل والاوجه جارية سواء تحرك الطرف بحركته أم لا كذا قاله الجمهور وقطع به إمام الحرمين والغزالي ومن تابعهما بالبطلان إذا تحرك وخصوا الخلاف بما لا يتحرك. وقطع البغوي بالبطلان في صورة الشد وخص الخلاف بصورة القبض باليد وقال أكثر الأصحاب إن كان الكلب صغيرا أو ميتا وطرف الحبل مشدود به بطلت الصلاة قطعا وإن كان كبيرا حيا بطلت على الأصح وإن كان الحبل مشدودا في موضع طاهر من سفينة فيها نجاسة فإن كانت صغيرة تنجر بجره فهي كالكلب وإن كانت كبيرة لم تبطل على الصحيح كما لو شد في باب دار فيها نجاسة واتفقت الطوائف على أنه لو جعل رأس الحبل تحت رجله صحت صلاته في جميع الصور. فرع من انكسر عظمه فجبره بعظم طاهر فلا بأس وإن جبره بعظم نجس نظر إن كان محتاجا إلى الجبر ولم يجد عظما طاهرا يقوم مقامه فهو معذور وليس عليه نزعه وإن لم يحتج إليه أو وجد طاهرا يقوم مقامه وجب نزعه إن لم يخف الهلاك ولا تلف عضو ولا شيئا من المحذورات المذكورة في باب التيمم فإن لم يفعل أجبره السلطان ولا تصح صلاته معه ومال إمام الحرمين إلى أنه إذا اكتسى اللحم لم يجب النزع وإن كان لا يخاف الهلاك وهو مذهب أبي حنيفة ووجه شاذ لنا وإن خاف من النزع الهلاك أو ما في معناه لم يجب النزع على الصحيح. وإذا أوجبنا النزع فمات قبله لم ينزع على الصحيح المنصوص سواء استتر باللحم أم لا وقيل إن استتر لم ينزع قطعا وعلى الشاذ يجب النزع وقيل يستحب ومداواة الجرح بالدواء النجس وخياطته بخيط نجس كالوصل بعظم نجس فيجب النزع حيث يجب نزع العظم وكذا لو شق موضعا من بدنه وجعل فيه دما. وكذا لو وشم يده بالعظام أو غيرها فانه ينجس عند الغرز وفي تعليق الفراء أنه يزال الوشم بالعلاج فإن لم يمكن إلا بالجرح لا يجرح ولا إثم عليه بعد التوبة والله اعلم. فرع وصل المرأة شعرها بشعر نجس أو بشعر آدمي حرام قطعا لأنه الانتفاع بشيء منه لكرامته بل يدفن شعره وغيره وسواء في هذين المزوجة وغيرها وأما الشعر الطاهر لغير الآدمي فإن لم تكن ذات زوج ولا سيد حرم الوصل به على الصحيح وعلى الثاني يكره والثاني يحرم مطلقا والثالث لا يحرم ولا يكره مطلقا وأما تحمير الوجنة فإن كانت خلية من الزوج أو السيد أو كان أحدهما وفعلته بغير إذنه فهو حرام وإن كان بإذنه فجائز على المذهب وقيل وجهان كالوصل وأما الخضاب بالسواد وتطريف الأصابع فألحقوه بالتحمير قال إمام الحرمين ويقرب منه تجعيد الشعر ولا بأس بتصفيف الطرر وتسوية الأصداغ وأطلق الأصحاب القول باستحباب الخضاب بالحناء لها بكل حال وينبغي أن تكون هذه الأمور على تفصيل نذكره في فصل سنن الاحرام إن شاء الله تعالى. وأما الوشم فحرام مطلقا والوشر وهو تحديد طرف الأسنان وترقيقها كالوصل بشعر طاهر فرع يجب أن يكون ما يلاقي بدن المصلي وثوبه وتحته وفوقه طاهرا فلو وقف بحيث يمسه في صلاته جدار أو سقف نجس بطلت صلاته ولو صلى على بساط تحته نجاسة أو على طرف منه نجاسة أو على سرير قوائمه على نجاسة لم يضر سواء تحرك ذلك الموضع بحركته أم لا ولو نجس أحد البيتين واشتبه تحرى كالثوبين وإن اشتبه مكان من بيت أو بساط لم يجز التحري على الأصح وعلى الثاني يجوز كما لو اشتبه ذلك في الصحراء ولو كان ما يلاقي بدنه وثيابه طاهرا وما يحاذي صدره أو بطنه أو شيئا من بدنه في سجوده أو غيره نجسا صحت صلاته على الأصح ولو بسط على النجاسة ثوبا مهلهل النسج وصلى عليه فإن حصلت مماسة النجاسة من الفرج بطلت صلاته. وإن لم تحصل وحصلت المحاذاة فعلى الوجهين. فرع في مواطن ورد الشرع بالنهي عن الصلاة فيها أحدها المزبلة والمجزرة والنهي فيهما لنجاسة الموضع فلو فرش ثوبا أو بساطا طاهرا صحت صلاته ولكن تكره بسبب النجاسة تحته الثاني قارعة الطريق للنهي عنها معنيان أحدهما غلبة النجاسة والثاني اشتغال القلب بسب مرور الناس فإن قلنا بالمعنى الأول جرى النهي في جواد الطرق في البراري وإن قلنا بالثاني فلا وفي صحة الصلاة في الشوارع مع غلبة النجاسة القولان المتقدمان في باب الاجتهاد لتعارض الأصل والظاهر فإن صححناها فالنهي للتنزيه وإلا فللتحريم فلو بسط شيئا طاهرا صحت الصلاة قطعا وتبقى الكراهة لشغل القلب والثالث بطن الوادي والنهي عنه للخوف السالب للخشوع بسبب سيل يتوقع. قلت اتبع الإمام الرافعي الغزالي وإمام الحرمين في إثبات النهي عن الصلاة في بطون الأودية مطلقا ولم يجىء في هذا نهي أصللا والحديث الذي جاء فيه ذكر المواطن السبعة ليس فيه الوادي بل فيه المقبرة بدلا منه ولم يصب من ذكر الوادي وحذف المقبرة والحديث من أصله ضعيف ضعفه الترمذي وغيره وإنما الصواب ما ذكره الشافعي رحمه الله فإنه يكره الصلاة في واد خاص. هو الذي نام فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه عن الصبح حتى فاتت وقال اخرجوا بنا من هذا الوادي وصلى خارجه والله أعلم. الرابع الحمام قيل سبب النهي كثرة النجاسة والوسخ وقيل لأنه مأوى الشيطان وفي المسلخ وجهان إن قلنا بالسبب الأول لم يكره وإلا كره وهو الأصح وتصح الصلاة بكل حال في المسلخ والحمام إذا حكم بطهارته. الخامس ظهر الكعبة وسبق تفصيله في باب الاستقبال. السادس أعطان الابل وفسره الشافعي رحمه الله بالمواضع التي تنحى إليها الابل الشاربة ليشرب غيرها فإذا اجتمعت سيقت فتكره الصلاة في أعطان الإبل ولا تكره في مراح الغنم وهو مأواها ليلا وقد يتصور في الغنم مثل عطن الابل وحكمه حكم مراحها وحكم مأوى الابل ليلا حكم عطنها لكن الكراهية في العطن أشد ومتى صلى في العطن أو المراح ونجس بالبول أو البعر أو غيرهما لم تصح صلاته وإلا صحت مع افتراقهما في الكراهة السابع المقبرة وتكره الصلاة فيها بكل حال ثم إن كانت غير منبوشة أو بسط عليها طاهرا صحت صلاته وإن علم أن موضع صلاته منبوش لم تصح وإن شك في نبشه صحت على الأظهر ويكره استقبال القبر في الصلاة. القسم الثاني النجاسة الواقعة في مظنة العفو وهو أضرب الأول الأثر الباقي على محل الاستنجاء بعد الحجر يعفى عنه مع نجاسته فلو لاقى ماء قليلا نجسه ولو حمله مصل بطلت صلاته على الأصح ويجري الوجهان فيما إذا حمل من على ثوبه نجاسة معفو عنها ويقرب منها الوجهان فيما لو عرق وتلوث بمحل النجو غيره لكن الأصح هنا العفو لعسر الاحتراز بخلاف حمل غيره ولو حمل حيوانا لا نجاسة عليه صحت صلاته وإن تنجس منفذه بالخارج فوجهان. الأصح عند إمام الحرمين المقطوع به في التتمة لا تصح صلاته والأصح عند الغزالي صحتها قلت الأول أصح والله أعلم. ولو وقع هذا الحيوان في ماء قليل أو مائع آخر وخرج حيا لم ينجسه على الأصح للمشقة في صيانة الماء والمائع ولو حمل بيضة صار حشوها دما وظاهرها طاهر أو حمل عنقودا استحال باطن حباته خمرا ولا رشح على ظاهرها لم تصح صلاته على الأصح ويجري الوجهان في كل استتار خلقي ولو حمل قارورة مصممة الرأس برصاص أو نحوه وفيها نجاسة لم تصح صلاته على الصحيح ولو صممها بخرقة بطلت صلاته قطعاً. ولو صممها بشمع قيل إنه كالرصاص وقيل كالخرقة ولو حمل حيوانا مذبوحا بعد غسل الدم وغيره من موضع الذبح وغيره لم تصح قطعا الضرب الثاني طين الشوارع فتارة يعلم نجاسته وتارة يظنها وتارة لا يعلمها ولا يظنها فالثالث لا يضر والمظنون فيه القولان السابقان في باب الاجتهاد والنجس يعفى قليله دون كثيره والقليل ما يتعذر الاحتراز منه والرجوع فيه إلى العادة ويختلف بالوقت وبموضعه في البدن. وذكر الأئمة له تقريبا فقالوا القليل ما لا ينسب صاحبه إلى سقطة أو كبوة أو قلة تحفظ فإن نسب فكثيرة ولو أصاب أسفل الخف أو النعل نجاسة فدلكه بالأرض حتى ذهبت أجزاؤها ففي صحة صلاته فيه قولان الجديد الأظهر لا يصح مطلقا والقديم يصح بشروط أحدها أن يكون للنجاسة جرم يلتصق به أما البول ونحوه فلا يكفي دلكه بحال. والثاني أن يدلكه في حال الجفاف وما دام رطبا لا يكفي الدلك قطعا والثالث أن يكون حصول النجاسة بالمشي من غير تعمد فلو تعمد تلطيخ الخف بها وجب الغسل قطعا والقولان جاريان فيما أصاب أسفل الخف وأطرافه من طين الشوارع المتيقن النجاسة الكثير الذي لا يعفى عنه وسائر النجاسة الغالبة في الطرق كالروث وغيره. الضرب الثالث دم البراغيث يعفى عن قليله في الثوب والبدن وفي كثيره وجهان أصحهما العفو ويجري الوجهان في دم القمل والبعوض وما أشبه ذلك وفي ونيم الذباب وبول الخفاش ولو كان قليلا فعرق وانتشر اللطخ بسببه فعلى الوجهين. وفي ضبط القليل والكثير خلاف ففي قول قديم القليل قدر دينار وفي قديم آخر ما دون الكف وعلى الجديد وجهان أحدهما الكثير ما يظهر للناظر من غير تأمل وإمعان طلب والقليل دونه وأصحهما الرجوع إلى العادة فما يقع التلطخ به غالبا ويعسر الاحتراز عنه فقليل فعلى الأول لا يختلف ذلك باختلاف الأوقات والبلاد وعلى الثاني وجهان. أحدهما يعتبر الوسط المعتدل ولا يعتبر من الأوقات والبلاد وعلى الثاني وجهان أحدهما يعتبر الوسط المعتدل ولا يعتبر من الأوقات والبلاد ما يندر ذلك فيه أو يتفاحش وأصحهما يختلف باختلاف الأوقات والبلاد ويجتهد المصلي هل هو قليل أم كثير. الضرب الرابع دم البثرات وقيحها وصديدها كدم البراغيث فيعفى عن قليله قطعا وعن كثيره على الأصح ولو عصر بثرة فخرج ما فيها عفي عنه على الأصح ولو أصابه دم غيره من آدمي أو أظهرهما العفو ولو أصابه شيء من دم نفسه لا من البثرات بل من الدماميل والقروح وموضع الفصد والحجامة فوجهان أحدهما وهو مقتضى كلام الأكثرين أنه كدم البثرات والثاني وهو الأولى واختاره القاضي ابن كج والشيخ أبو محمد وإمام الحرمين أنه لا يلتحق بدم البثرات بل إن كان مما يدوم مثلها غالبا فهي كدم الاستحاضة وسبق حكمه في باب الحيض وإن كان مما لا يدوم غالبا فهو كدم الاجنبي لا يعفى عن كثيره وفي قليله الخلاف قلت الأصح أنه كدم البثرات والله أعلم. وحكم القيح والصديد حكم الدم في جميع ما ذكرناه وأما القروح والنفاطات فإن كان له رائحة كريهة فهو نجس وإلا فطريقان أحدهما القطع بالطهارة والثاني على قولين. قلت المذهب طهارته والله أعلم. الضرب الخامس إذا صلى وعلى ثوبه أو بدنه أو موضع صلاته نجاسة غير معفو عنها وهو لا يدري فإن لم يكن علمها وجبت الإعادة على الأظهر وإن علمها ثم نسيها وجبت قطعا وقيل على القولين. وإذا أوجبنا الاعادة وجبت إعادة كل صلاة تيقن أنه صلاها مع النجاسة وإذا احتمل أنها حدثت بعد ما صلى فلا شيء عليه. ومنها إذا كان على جرحه دم كثير يخاف من إزالته ومنها إذا تلطخ سلاحه بالدم في صلاة شدة الخوف ومنها الشعر الذي ينتف ولا يخلو عنه ثوبه وبدنه وحكمه حكم دم البراغيث ومنها القدر الذي لا يدركه الطرف من البول والخمر وغير الدم وفيه خلاف تقدم في أول كتاب الطهارة. قلت إذا كان على جرحه دم كثير زائد على ما يعفى عنه وخاف من غسله صلى به وجبت الاعادة على الجديد الأظهر والله أعلم. الشرط الخامس ستر العورة ويجب في غير الصلاة في غير الخلوة وفي الخلوة أيضاً على الأصح وهو شرط لصحة الصلاة في الخلوة وغيرها فإن تركه مع القدرة بطلت. قلت ولو صلى في سترة ثم علم بعد الفراغ أنه كان فيها خرق تبين منه العورة وجبت إعادة الصلاة على المذهب سواء كان علمها ثم نسيها أم لم يكن علمها وهو شبيه بمن علم النجاسة بعد الفراغ ولو احتمل حدوث الخرق بعد السلام فلا إعادة قطعا ويجوز كشف العورة في الخلوة في غير صلاة للحاجة والله أعلم. وعورة الرجل حرا كان أو عبدا ما بين السرة والركبة على الصحيح وفي وجه الركبة والسرة عورة وفي وجه الركبة عورة دون السرة وفي وجه شاذ منكر قاله الأصطخري إن عورة الرجل قلت لنا وجه ضعيف مشهور أن السرة عورة دون الركبة والله أعلم. وأما المرأة فإن كانت حرة فجميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين ظهرهما وبطنهما إلى الكوعين ولنا قول وقيل وجه أن باطن قدمها ليس بعورة وقال المزني ليس القدمان بعورة وإن كانت أمة أو مكاتبة أو مستولدة أو مدبرة أو بعضها رقيقا ففيها ثلاثة أوجه أصحها عورتها كعورة الرجل. والثاني كعورة الحرة إلا رأسها فإنه ليس بعورة والثالث ما ينكشف في حال خدمتها وتصرفها كالرأس والرقبة والساعد وطرف الساق فليس بعورة وما عداه عورة وأما الخنثى المشكل فإن كان رقيقا وقلنا عورة الأمة كعورة الرجل فلا يلزمه أن يستر إلا ما بين السرة والركبة وإن كان حرا أو رقيقا وقلنا عورة الأمة أكثر من عورة الرجل وجب ستر الزيادة على عورة الرجل أيضاً لاحتمال الانوثة فلو خالف فلم يستر إلا ما بين السرة والركبة فهل تصح صلاته وجهان. قلت أصحهما لا تصح لأن الستر شرط وشككنا في حصوله والله أعلم. فرع في صفة السترة والستر ويجب ستر العورة بما يحول بين البشرة فلا يكفي الثوب الرقيق الذي يشاهد من ورائه سواد البشرة وبياضها ولا الغليظ المهلهل النسج الذي يظهر بعض العورة من فرجه ولو ستر اللون ووصف حجم البشرة فلا بأس ولا وقف في ماء صاف لم تصح صلاته إلا إذا غلبت الخضرة لتراكم الماء فإن انغمس إلى عنقه ومنعت الخضرة رؤية لون البشرة صحت صلاته ولو صلى في ماء كدر صحت على الأصح وصورة الصلاة في الماء أن يتمكن من الركوع والسجود أو يصلي على جنازة ولو طين عورته فاستتر اللون أجزأه على الصحيح الذي قطع به الجماهير سواء وجد ثوبا أم لا وعلى هذا لو لم يجد ثوبا ونحوه وأمكنه التطين وجب على الأصح وأما صفة الستر فقال الأصحاب الستر يعتبر من فوق ومن الجوانب ولا يعتبر من أسفل الذيل والإزار حتى لو صلى في قميص متسع الذيل وكان على طرف سطح يرى عورته من نظر إليه من أسفل جاز كذا قاله الأصحاب وتوقف في صورة السطح إمام الحرمين والشاشي. ولو صلى في قميص واسع الجيب ترى عورته من الأعلى في الركوع أو السجود وغيرهما من أحوال الصلاة لم تصح صلاته وطريقه أن يزر جيبه أو يشد وسطه أو يستر موضع الجيب بشيء يلقيه على عاتقيه أو نحو ذلك وكذا لو لم يكن واسع الجيب لكن كان على صدر القميص أو ظهره خرق يبدو منه العورة فلا بد من شيء مما ذكرناه ولو كان الجيب بحيث ترى العورة منه في كما لو كان على إزاره ثقب فجمع عليه الثوب بيده فلو ستر الثقب بيده فعلى الوجهين في اللحية ولو كان القميص بحيث يظهر منه العورة عند الركوع ولا يظهر في القيام فهل تنعقد صلاته ثم إذا ركع تبطل أم لا تنعقد أصلا فيه هذان الوجهان وفائدة الخلاف فيما لو اقتدى به غيره قبل الركوع وفيما لو ألقى ثوبا على عاتقه قبل الركوع. واعلم أنه يشترط في الساتر أن يشمل المستور إما باللبس كالثوب والجلد وإما بغيره كالتطين فأما الفسطاط الضيق ونحوي فلا عبرة به لأنه لا يعد مشتملا عليه ولو وقف في جب وصلى على جنازة فإن كان واسع الرأس تظهر منه العورة لم تجز وإن كان ضيق الرأس فقال في التتمة تجوز ومنهم من قال لا تجوز. قلت الأصح الجواز ولو حفر في الأرض حفرة ووقف فيها لصلاة الجنازة إذا رد التراب بحيث ستر العورة جاز وإلا فكالجب ولو ستر بزجاج يرى منه لون البشرة لم يصح والله أعلم. فرع إذا لم يجد المصلي ما يستر العورة صلى عاريا وتقدم في التيمم كيفية صلاته والقضاء وهل يسن للعراة الجماعة أم الأصح الأولى أن يصلوا فرادى قولان القديم الانفراد أفضل والجديد الجماعة أفضل. قلت هكذا حكى جماعة عن الجديد والمختار ما حكاه المحققون عن الجديد أن الجماعة والانفراد سواء وصورة المسألة إذا كانوا بحيث يتأتى نظر بعضهم إلى بعض فلو كانوا عميا أو في ظلمة استحبت لهم الجماعة بلا خلاف والله أعلم. ولو كان فيهم لابس أمهم ووقفوا خلفه صفا واحدا فإن خالفوا فأمهم عار واقتدى به اللابس جاز ولو اجتمع رجال ونساء لم يصلوا معا لا في صف ولا في صفين بل يصلي الرجال وتكون النساء جالسات خلفهم مستدبرات القبلة ثم يصلي النساء ويجلس الرجال خلفهم مستدبرين. فرع إذا وجد المصلي ما يستر بعض العورة لزمه ستر الممكن بلا فإن كان الموجود يكفي السوأتين بدأ بهما ولا يعدل إلى غيرهما فإن كان يكفي إحداهما فقط فثلاثة أوجه الصحيح المنصوص أنه يستر القبل رجلا كان أو امرأة والثاني الدبر والثالث يتخير. قلت ولنا وجه ذكره القاضي حسين أن المرأة تستر القبل والرجل الدبر والله أعلم. أما الخنثى المشكل فإن وجد ما يستر قبليه ودبره ستر فإن لم يجد إلا ما يستر واحدا وقلنا يستر القبل ستر أي قبليه شاء والأولى أن يستر آلة الرجال إن كان هناك امرأة وآلة النساء إن كان هناك رجل ثم ما ذكرناه من تقديم السوأتين أو إحداهما على الفخذ وغيره ومن تقديم إحدى السوأتين على الأخرى هل هو على الاستحباب أم على الاشتراط وجهان أصحهما الثاني وهو مقتضى كلام الأكثرين. فرع لو كانت أمة تصلي مكشوفة الرأس فعتقت خلال الصلاة فإن على السترة مضت في صلاتها كالعاجز فإن كانت قادرة على السترة ولم تشعر بقدرتها عليها أو لم تشعر بالعتق حتى فرغت من الصلاة ففي وجوب الاعادة القولان فيمن صلى بالنجاسة جاهلا وقيل يجب قطعا وإن علمت السترة والعتق فإن كان الخمار قريبا فطرحته على رأسها أو طرحه غيرها مضت في صلاتها وإن كان بعيدا أو احتاجت في الستر إلى أفعال كثيرة ومضى مدة في التكشف ففيه القولان في سبق الحدث. فإن قلنا بالقديم إنها تبني فلها السعي في طلب الساتر كما تسعى في طلب الماء وإن وقفت حتى أتيت به نظر إن وصلها في المدة التي كانت تصله لو سعت فلا بأس وإن زادت فوجهان الأصح لا يجوز وتبطل صلاتها وينبغي أن يطرد هذا الخلاف والتفصيل في طلب الماء عند سبق الحدث وإن لم يذكروه هناك ولو دخل العاري في الصلاة ثم وجد السترة في خلالها فحكمه ما ذكرناه في الأمة تعتق وهي واجدة للسترة. قلت إذا كانت السترة قريبة إلا أنه لا يمكن تناولها إلا باستدبار القبلة بطلت صلاتها إذا لم يناولها غيرها قاله في الشامل ولو قاله لأمته إن صليت صلاة صحيحة فأنت حرة قبلها فصلت كاشفة الرأس عاجزة صحت وعتقت أو قادرة صحت ولا عتق للدور والله أعلم. فرع في مسائل منثورة ليس للعاري أخذ الثوب من مالكه قهرا فلو وهبه له لم يلزمه قبوله على الصحيح وفي وجه يلزمه قبوله للصلاة فيه ثم له رده على الواهب قهرا وفي وجه يلزمه قبوله وليس له الرد ولو أعاره لزمه قبوله فإن لم يقبل وصلى عاريا لم تصح صلاته قلت ولنا وجه شاذ أنه لا يجب قبول العارية والله أعلم. ولو باعه أو أجره فهو كبيع الماء وقد ذكرناه في التيمم وإقراض الثوب كإقراض الثمن ولو احتاج إلى شراء الثوب والماء ولم يقدر إلا على أحدهما اشترى الثوب ولو أوصى بثوبه لأولى الناس به في ذلك الموضع فالمرأة أولى من الخنثى والخنثى أولى من الرجل وإذا لم يجد إلا ثوبا نجسا ولم يجد ما يغسله به فقولان أظهرهما يصلي عاريا بلا إعادة والثاني يصلي فيه وتجب الاعادة ولو لم يجد إلا ثوب حرير فالأصح أنه يصلي فيه لأنه يباح للحاجة. قلت ويجب لبسه لستر العورة عن الأبصار بلا خلاف وكذلك يجب لبس الثوب النجس للستر عنها وفي الخلوة إذا أوجبنا الستر فيها والله أعلم. ويستحب أن يصلي الرجل في أحسن ما يجده من ثيابه ويتعمم ويتقمص ويرتدي فإن اقتصر على ثوبين فالأفضل قميص ورداء أو قميص وسراويل فإن اقتصر على واحد فالقميص أولى ثم الإزار ثم السراويل ثم الثوب الواحد إن كان واسعا التحف به وخالف بين طرفيه وإن كان ضيقا عقده فوق سرته ويجعل على عاتقه شيئا ويستحب أن تصلي المرأة في قميص سابغ وخمار وتتخذ جلبابا كثيفا فوق ثيابها يتجافى عنها ولا يبين حجم أعضائها. قلت لو لم يجد العاري إلا ثوبا لغيره حرم عليه لبسه بل يصلي عاريا ولا يعيد ولو لم يجد سترة ووجد حشيشا يمكنه عمل سترة منه لزمه ذلك ولو كان محبوسا في موضع نجس ومعه ثوب لا يكفي العورة وستر النجاسة فقولان أظهرهما يبسطه على النجاسة ويصلي عاريا ولا إعادة والثاني يصلي فيه على النجاسة ويعيد ولو كان معه ثوب فأتلفه أو خرقه بعد دخول الوقت لغير حاجة عصى ويصلي عاريا وفي الإعادة الوجهان فيمن أراق الماء في الوقت سفها وصلى بالتيمم ويكره أن يصلي في ثوب فيه صور ويكره أن يصلي الرجل ملثما والمرأة متنقبة وأن يغطي فاه إلا أن يتثاءب فإن السنة حينئذ أن يضع يده على فمه ويكره أن يشتمل الصماء وأن يشتمل اشتمال اليهود فالصماء أن يجلل بدنه بالثوب ثم يرفع طرفيه على عاتقه الأيسر واشتمال اليهود كذلك إلا أنه لا يرفع طرفيه وقيل هما بمعنى والمراد بهما الثاني والله أعلم.
للمتكلم في الصلاة حالان أحدهما بغير عذر فينظر إن نطق بحرف واحد لم تبطل صلاته إلا إذا كان مفهما كقوله ق ش فإنه تبطل وإن نطق بحرفين بطلت أفهم أم لا لأن الكلام مفهم وغيره ولو نطق بحرف ومده بعده فالأصح البطلان والثاني لا والثالث قاله إمام الحرمين إن أتبعه بصوت غفل لا يقع على صورة المد لم تبطل وإن أتبعه بحقيقة المد بطلت وفي التنحنح أوجه أصحها وبه قطع الجمهور إن بان منه حرفان بطلت صلاته وإلا فلا. والثالث إن كان فمه مطبقا لم تبطل وإن فتحه وبان حرفان بطلت وإلا فلا وحيث أبطلنا فذلك إذا كان بغير عذر فإن كان مغلوبا فلا بأس ولو تعذرت القراءة إلا بالتنحنح تنحنح وهو معذور وإن أمكنت القراءة وتعذر الجهر إلا بالتنحنح فليس بعذر على الأصح ولو تنحنح الإمام وظهر منه حرفان فهل للمأموم أن يدوم على متابعته وجهان أصحهما نعم لأن الأصل بقاء العبادة والظاهر أنه معذور وأما الضحك والبكاء والنفخ والأنين فإن بان منه حرفان بطلت وإلا فلا وسواء بكا للدنيا أو للآخرة. الحال الثاني في الكلام بعذر فمن سبق لسانه إلى الكلام من غير قصد أو غلبه الضحك أو السعال فبان منه حرفان أو تكلم ناسيا أو جاهلا بتحريم الكلام فإن كان ذلك يسيرا لم تبطل صلاته وإن كثرت بطلت على الأصح والرجوع في القلة والكثرة إلى العرف والجهل بتحريم الكلام إنما هو عذر في حق قريب العهد بالاسلام فإن طال عهده به بطلت صلاته لتقصيره في التعلم ولو علم تحريم الكلام ولم يعلم أنه يبطل الصلاة لم يكن عذرا ولو جهل كون التنحنح مبطلا فهو معذور على الأصح لخفاء حكمه على العوام ولو علم أن جنس الكلام محرم ولم يعلم أن ما أتى به محرم فهو معذور على الأصح ولو أكره على الكلام فقولان أظهرهما تبطل لندوره وكما لو أكره أن يصلي بلا وضوء أو قاعدا فإنه تجب الاعادة قطعا ولو تكلم لمصلحة الصلاة بأن قام الإمام في موضع القعود فقال المأموم اقعد بطلت صلاته وليس هو بعذر فإن طريقه التسبيح ولو أشرف انسان على الهلاك فأراد انذاره وتنبيهه ولم يحصل ذلك إلا بالكلام وجب الكلام وتبطل صلاته على الأصح ولو خاطب النبي صلى الله عليه وسلم في عصره مصليا لزمه الجواب بالنطق في الحال ولا تبطل صلاته ولو قال آه من خوف النار بطلت صلاته على الصحيح. فرع متى ناب الرجل المصلي شيء في صلاته بأن رأى أعمى يقع أو استأذنه انسان في الدخول أو أراد إعلام غيره أمرا فالسنة أن يسبح والمرأة تصفق في جميع ذلك والتصفيق أن تضرب بطن كفها اليمنى على ظهر كفها اليسرى وقيل تضرب أكثر أصابعها اليمنى على ظهر أصابعها اليسرى وقيل تضرب أصبعين على ظهر الكف والمعاني متقاربة والأول أشهر وينبغي أن لا تضرب بطن كف على بطن كف فإن فعلت ذلك على وجه اللعب بطلت صلاتها لمنافاته. فرع الكلام المبطل عند عدم العذر هو ما سوى القرآن والذكر والدعاء وما في معناها فلو أتى بشيء من نظم القرآن قاصدا القراءة أو القراءة مع شيء آخر كتنبيه الإمام أو غيره أو الفتح على من ارتج عليه أو تفهيم أمر كقوله لجماعة يستأذنون في الدخول أدخلوها بسلام آمنين أو يقول يا يحيى خذ الكتاب بقوة وما أشبه ذلك لم تبطل صلاته سواء كان قد انتهى في قراءته إلى تلك الآية أو أنشأ قراءتها حينئذ ولنا وجه شاذ أنه إذا قصد مع القراءة شيئا آخر بطلت صلاته وليس بشيء ولو قصد الإفهام والإعلام فقط بطلت صلاته بلا خلاف ولو أتى بكلمات لا يوجد في القرآن على نظمها وتوجد مفرداتها كقوله يا إبرهيم سلام كن بطلت صلاته ولم يكن لها حكم القرآن بحال. وأما الأذكار والتسبيحات والأدعية بالعربية فلا يضر سواء المسنون وغيره لكن ما فيه خطاب مخلوق غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب اجتنابه فلو سلم على إنسان أو رد عليه السلام بلفظ الخطاب بطلت صلاته ويرد السلام بالإشارة بيده أو رأسه ولو قال عليه السلام لم يضر ولو قال للعاطس يرحمه الله لم يضر ولو قال يرحمك الله بطلت على المشهور فرع السكوت اليسير في الصلاة لا يضر بحال وكذا الكثير عمدا إن لعذر بأن نسي شيئا فسكت ليتذكره على المذهب وكذا إن سكت لغير عذر على الأصح ولو سكت كثيرا ناسيا وقلنا عمده مبطل فطريقان أحدهما القطع بأنه لا يضر والثاني على الوجهين واعلم أن إشارة الأخرس المفهمة كالنطق في البيع وغيره من العقود ولا تبطل بها الصلاة على الصحيح الشرط السابع الكف عن الأفعال الكثيرة اعلم أن ما ليس من أفعال الصلاة ضربان أحدهما من جنسها والثاني ليس من جنسها فالأول إذا فعله ناسيا لا تبطل صلاته كمن زاد ركوعا أو سجودا أو ركعة وإن تعمده بطلت سواء قل أم كثر وأما الثاني فاتفقوا على أن الكثير منه يبطل الصلاة والقليل لا يبطل وفي ضبط القليل والكثير أوجه أحدها القليل ما لا يسع زمانه فعل ركعة والكثير ما يسعها. والثاني كل عمل لا يحتاج فيه إلى كلتا يديه كرفع العمامة وحل أنشوطة السراويل فقليل وما احتاج إلى ذلك كتكوير العمامة وعقد الإزار والسراويل فكثير. والثالث القليل ما لا يظن النظر إليه أن فاعله ليس في الصلاة والكثير ما يظن أنه ليس فيها وضعف هذا بأن من رآه يحمل صبيا أو يقتل حية أو عقربا يتخيل أنه ليس في صلاة وهذا لا يضر قطعاً. والرابع وهو الأصح وقول الأكثرين أن الرجوع فيه إلى العادة فلا يضر ما يعده الناس قليلا كالإشارة برد السلام وخلع النعل ولبس الثوب الخفيف ونزعه ونحو ذلك ثم قالوا الفعلة الواحدة كالخطوة والضربة قليل قطعا والثلاث كثير قطعا والاثنتان من القليل على الأصح ثم أجمعوا على أن الكثير إنما يبطل إذا توالى فإن تفرق بان خطا خطوة ثم بعد زمن خطا أخرى أو خطوتين ثم خطوتين بينهما زمن وقلنا إنهما قليل وتكرر ذلك ثلاث مرات فهي كثيرة لم يضر قطعاً. وحد التفريق أن يعد الثاني منقطعا عن الأول وقال في التهذيب عندي أن يكون بينهما قدر ركعة ثم المراد بالفعلة الواحدة التي لا تبطل ما لم يتفاحش فإن أفرطت كالوثبة الفاحشة أبطلت قطعا وكذا قولهم الثلاث المتوالية تبطل أراد والخطوات ونحوها فأما الحركات الخفيفة كتحريك الأصابع في سبحة أو حكة أو عقد وحل فالأصح أنها لا تضر وإن كثرت متوالية والثاني تبطل كغيرها ونص الشافعي رحمه الله أنه لو كان يعد الآيات في صلاته عقدا باليد لم تبطل ولكن الأولى تركه وجميع ما ذكرنا إذا تعمد الفعل الكثير فأما إذا فعله ناسيا فالمذهب والذي قطع به الجمهور أن الناسي كالعامد وقيل فيه الوجهان في كلام الناسي وقيل أول حد الكثرة لا يؤثر وما زاد وانتهى إلى السرف فعلى الوجهين. هذا كله حكم الفعل في غير شدة الخوف أما فيها فيحتمل الركض والعدو للحاجة وفي غير الحاجة كلام يأتي في بابها إن شاء الله تعالى وإن قرأ القرآن من المصحف في الصلاة لم يضر بل يجب ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة كما سبق ولو قلب الأوراق أحيانا لم يضر ولو نظر في مكتوب غير القرآن وردد ما فيه في نفسه لم تبطل صلاته ولنا وجه أن حديث النفس إذا كثر أبطل الصلاة وهو شاذ. فرع يستحب للمصلي أن يكون بين يديه سترة من جدار أو سارية ويدنو منها بحيث لا يزيد بينهما على ثلاثة أذرع وإن كان في صحراء غرز عصا ونحوها أو جمع شيئا من رحله أو متاعه وليكن قدر مؤخرة الرحل فإنلم يجد شيئا شاخصا خط بين يديه خطا أو بسط مصلى وقال إمام الحرمين والغزالي لا عبرة بالخط والصواب ما أطبق عليه الجمهور وهو الاكتفاء بالخط كما إذا استقبل شيئا شاخصا. قلت وقال جماعة في الاكتفاء بالخط قولان للشافعي قال في القديم و سنن حرملة يستحب ونفاه في البويطي لاضطراب الحديث الوارد فيه وضعفه واختلف في صفة الخط فقيل يجعل مثل الهلال وقيل يمد طولا إلى جهة القبلة وقيل يمده يمينا وشمالا والمختار استحباب ثم إذا صلى إلى سترة منع غيره من المرور بينه وبين السترة وكذا ليس لغيره أن يمر بينه وبين الخط على الصحيح وقول الجمهور كالعصا وهل هو منع تحريم أو تنزيه وجهان الصحيح منع تحريم وللمصلي أن يدفعه ويضربه على المرور وإن أدى إلى قتله ولو لم يكن سترة أو كانت وتباعد منها فالأصح أنه ليس له الدفع لتقصيره. قلت ولا يحرم حينئذ المرور بين يديه لكن الأولى تركه والله أعلم. ولو وجد الداخل فرجة في الصف الأول فله أن يمر بين يدي الصف الثاني ويقف فيها لتقصير أصحاب الثاني بتركها قال إمام الحرمين والنهي عن المرور والأمر بالدفع إذا وجد المار سبيلا سواه فإن لم يجد وازدحم الناس فلا نهي عن المرور ولا يشرع الدفع وتابع الغزالي إمام الحرمين على هذا وهو مشكل ففي الحديث الصحيح في البخاري خلافه وأكثر كتب الأصحاب ساكتة عن تقييد المنع بما إذا وجد سواه سبيلا. قلت الصواب أنه لا فرق بين وجود السبيل وعدمه فحديث البخاري صريح في المنع ولم يرد شيء يخالفه ولا في كتب المذهب لغير الإمام ما يخالفه وقال أصحابنا ولا تبطل الصلاة بمرور شيء بين يدي المصلي سواء مر رجل أو امرأة أو كلب أو حمار أو غير ذلك وإذا صلى إلى سترة فالسنة أن يجعلها مقابلة ليمينه أو شماله ولا يصمد لها والله أعلم. الشرط الثامن الإمساك عن الأكل فلو أكل شيئا وإن قل بطلت صلاته وفي وجه لا تبطل بالقليل وهو غلط ولو كان بين أسنانه شيء فابتلعه أو نزلت نخامة من رأسه فابتلعها عمدا بطلت صلاته. فإن أكل مغلوبا بأن جرى الريق بباقي الطعام أو نزلت النخامة ولم يمكنه إمساكها لم تبطل وإن أكل ناسيا أو جاهلا بالتحريم فإن قل لم تبطل وإن كثر بطلت على الأصح وتعرف القلة والكثرة بالعرف ولو وصل شيء إلى جوفه بغير مضغ وابتلاع بأن وضع في فمه سكرة فذابت ونزلت إلى جوفه بطلت صلاته على الأصح فعلى هذا تبطل بكل ما يبطل الصوم واعلم أن المضغ وحده فعل يبطل الكثير منه وإن لم يصل شيء إلى الجوف حتى لو كان يمضغ علكا بطلت صلاته وإن لم يمضغه وكان جديدا يذوب فهو كالسكرة وإن كان مستعملا لم تبطل صلاته كما لو أمسك في فمه إجاصة.
قلت وكذا النوم بلا كراهة والله أعلم. وتقدم حكم مكث الجنب والحائض وعبورهما وهذا في حق المسلم أما الكافر فلا يمكن من دخول حرم مكة بحال سواء مساجده وغيرها وله دخول مساجد غير الحرم بإذن مسلم وليس له دخولها بغير إذن على الصحيح فإن فعله عزر قال في التهذيب لو جلس فيه الحاكم للحكم فللذمي دخوله للمحاكمة بغير إذن وينزل جلوسه منزلة إذنه وإذا استأذن لنوم أو أكل فينبغي أن لا يأذن له وإن استأذن لسماع قرآن أو علم أذن له رجاء إسلامه هذا كله إذا لم يكن جنبا فإن كان فهل يمنع من المكث وجهان أصحهما لا والكافرة الحائضة تمنع حيث تمنع المسلمة وكذا الصبيان والمجانين يمنعون من دخوله. قلت ولا يمنع الجنب والحائض من دخول المصلى الذي ليس بمسجد على المذهب وذكر الدارمي في باب صلاة العيد في تحريمه وجهين وأجراهما في منع الكافر منه بغير إذن وقد ذكرت جملا من الفوائد المتعلقة بالمسجد في باب ما يوجب الغسل من شرح المهذب وأنا أشير إلى أحرف من بعضها فيكره نقش المسجد واتخاذ الشرفات له ولا بأس بإغلاقه في غير وقت الصلاة والبصاق في المسجد خطيئة. فإن خالف فبصق فقد ارتكب النهي فكفارتها دفنه في رمل المسجد وترابه ولو مسحه بيده أو غيرها كان أفضل ويكره لمن أكل ثوما أو بصلا أو غيرهما مما له رائحة كريهة دخول المسجد قال الصيمري ويكره حفر البئر فيه ويكره عمل الصنائع ولا بأس بالأكل والشرب فيه والوضوء إذا لم يتأذ به الناس ويقدم في دخول المسجد رجله اليمنى وفي الخروج اليسرى ويدعو بالدعوات المشهورة فيه ولحائط المسجد من خارجه حرمة المسجد في كل شيء والله أعلم.
|